Thursday, June 27, 2019

مكاسب غير متوقعة عند الحديث مع الغرباء

يقضي معظم الناس جزءا من يومهم محاطين بالغرباء، سواء في الطريق إلى مكان العمل، أو أثناء الجلوس في متنزه أو عند التسوق.
ومع ذلك، يبقى الكثيرون منا في عزلة طوعية، معتقدين أن الاقتراب من الغرباء غير مريح للطرفين.
وقد تكون هذه المعتقدات غير مبررة. وفي الواقع يتضح من أبحاثنا أننا كثيرا ما نقلل من أهمية الأثر الإيجابي للتواصل مع الآخرين.
وربما يجلب التحدث إلى غريب في الطريق إلى العمل سعادة غير متوقعة.
وسألنا الذين يسافرون يوميا على متن الحافلات أو القطارات في مدينة شيكاغو عن شعورهم تجاه بدء محادثة خلال الرحلة، مقارنة بالجلوس في عزلة أو عمل ما يفعلونه عادة، فأجاب جميعهم أن الحديث يجعل الرحلة أقل متعة.
لكن، حين أجرينا تجربة، عاش الأشخاص الذين طلب منهم بشكل عشوائي الحديث مع آخرين تجربة سفر سارة.
وقدر الركاب أن 40 في المئة فقط ممن يسافرون معهم يبدون رغبة في تبادل أطراف الحديث، إلا أن كل مشارك في التجربة حاول التحدث إلى غريب وجد أنه راغب بذلك.
ويقف الاعتقاد بأن الآخرين غير راغبين بالحديث أو سيرفضون الحديث إليك وراء إحجامك عن المبادرة.
وفي الواقع تظهر الأبحاث أننا نستخف دائما بمدى الإعجاب الذي نحظى به من جانب من نتعرف إليهم لأول مرة.دت تجارب منفصلة في حافلات وسيارات أجرة إلى نتائج متشابهة. فقد وجد أشخاص في مجموعات مختلفة أن التواصل مع الغرباء ممتع إلى درجة مثيرة للدهشة.
وبدا أن الأثر الإيجابي ينتقل إلى الشخص الذي نتحدث إليه. وفي تجربة أخرى أجريت في غرفة انتظار اتضح أن الشعور الإيجابي لم يقتصر على الشخص المبادر بالحديث بل على شريكه أيضا.
ومن المؤكد أنه لا يوجد من يرحب بالاهتمام غير المطلوب، لكن تحية بسيطة قد يتم تقبلها بأفضل مما نتوقع. ويرحب أغلبية الناس بالحديث إذا اقتربت منهم بنوايا طيبة.
وتجعلنا تجربة التحدث إلى الآخرين ندرك أن لهم أفكارا ثرية ومشاعر وعواطف وتجارب، مثلنا تماما.
وهذا التواصل مع الغرباء لن يحول البؤس في حياتنا إلى سعادة، لكن بإمكانه تغيير اللحظات غير السارة أثناء سفرنا اليومي إلى أخرى ممتعة.
والبشر هم بالفطرة "حيوانات اجتماعية"، ويجلب التواصل مع الآخرين السعادة لهم. والشعور بالوحدة والعزلة، في المقابل، يجلب التوتر ويشكل خطرا على الصحة يعادل خطر التدخين والسمنة.
ولذا، فإن العلاقات الاجتماعية الإيجابية تعتبر أحد المفاتيح المهمة للسعادة، وأهم حتى من مقدار الدخل الذي نحصل عليه.
قد تعتقد أن المنفتحين فقط هم من يستفيدون من التواصل مع الآخرين.
وفي الحقيقة يتضح من عدة تجارب أن الاجتماعيين والانطوائيين يسعدون حين يطلب منهم الانفتاح على الآخر.
وتوصلنا إلى أن المسافرين يسعدون حين يتحدثون إلى غريب، سواء كانوا من الانطوائيين أو الاجتماعيين.
مع أن الشخصية لا تؤثر كثيرا على تجربتك بالتواصل مع الآخر فإنها قد تؤثر على توقعاتك، حيث يفهم المنغلقون الجانب الإيجابي للتواصل.
وبشكل أساسي، قد تشكل شخصيتك توقعاتك أكثر مما تفعله تجاربك.
وبإمكان توقعاتنا أن تجلب لنا شعورا بالرضى. وإذا أحسست أن التحدث مع غريب يمكن أن يكون غير سار فإنك لن تبادر ولن تعرف إن كانت توقعاتك خاطئة. وهذا يمكن أن يؤدي بنا إلى العزلة، بناء على افتراض خاطئ .
وهذا قد يفسر ظاهرة المدن المكتظة وامتلائها بأشخاص اجتماعيين لكنهم يحاولون تجاهل الآخرين. ويجلس غرباء إلى جانب بعض في المتنزهات محدقين بشاشات هواتفهم، ويتجولون في شوارع المدن دون أن يبتسموا أو يلقوا التحية على أحد.
ويتجاوز هذا الفهم الخاطئ قضية التفاعل في وسائل المواصلات العامة إلى مجالات كثيرة في حياتنا، حيث نتجاهل باستمرار الأثر الإيجابي للتواصل.
ومن يكتبون رسالة شكر، يقومون بلفتات طيبة عشوائية.
ومع ذلك، فإن سوء تقدير الأثر الإيجابي للتواصل قد يثبط الأشخاص عن القيام بهذه اللفتات لمنفعة الطرفين.
واستنتاجاتنا لا تشي بأن عليك التحدث إلى كل شخص تصادفه أو التجاوب مع كل شخص يحاول التواصل معك.
لكن، في المرة القادمة إذا أردت مساعدة غريب أو البدء بمحادثة معه وكنت متحسبا من رد فعل غير ودي لا تبخل بالمحاولة.
ويتضح من أبحاثنا أن التجربة ستنجح بأفضل مما توقعت، وتجلب لكليكما شعورا بالسعادة.

نيكولاس إبلي: أستاذ في علم السلوك ومدير قسم في مركز ابحاث اتخاذ القرارات في جامعة شيكاغو.
جوليانا شرودر: استاذة في مجموعة "إدارة المنظمات" بجامعة كاليفورنيا، بيركلي.

Wednesday, June 12, 2019

بعد مرور عامين على مقاطعة قطر ما الذي تحقق؟

أنهت المقاطعة التي تفرضها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر عامها الثاني، وسط جدل بين من يرى أنها حققت أهدافها ومن يرى عكس ذلك.
فالبعض في دول المقاطعة الأربع يرى أن هذه الخطوة، التي تسميها قطر حصارا، قد ساهمت في وقف "الدعم القطري" لمنظمات تعتبرها هذه الدول "إرهابية" وتقول إنها تنشط في بعض دول المنطقة، من بينها جماعة الإخوان المسلمين.
كانت الدول الأربع قد فرضت مقاطعة دبلوماسية على الدوحة في 5 من يونيو/حزيران 2017 واتهمتها بدعم "الإرهاب". وهو ما تنفيه قطر.
وقد رافق قطع العلاقات الدبلوماسية إجراءات اقتصادية بينها إغلاق الحدود البرية والطرق البحرية، ومنع استخدام المجال الجوي وفرض قيود على تنقلات القطريين. كما أغلقت السعودية مكاتب قناة "الجزيرة" القطرية في الرياض.
وفي 22 من يونيو/حزيران، عرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر قائمة من 13 طلبا وحددت لها مهلة عشرة أيام لتنفيذها.
وكان من ضمن المطالب إغلاق قناة الجزيرة والحد من علاقات قطر مع إيران وإغلاق قاعدة عسكرية تركية على أرضها إلا أن قطر قالت إن "اللائحة غير واقعية" وغير قابلة للتطبيق.
بعدها نشرت السعودية وحلفاؤها لائحة سوداء تضم من وصفتهم بشخصيات وكيانات "إرهابية" ضمت مجموعة من شخصيات ورموز وكيانات قطرية.
اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قالت إن بعض القطريين والمقيمين فيها تعرضوا لانتهاكات نتيجة المقاطعة، منها الحرمان من أداء مناسك الحج والعمرة، والوصول إلى أملاكهم، بالإضافة إلى عرقلة التواصل بين أفراد الأسر المشتركة.
وبعد فترة وجيزة من المقاطعة، أقامت الدوحة طرقا جديدة للتجارة لتحل محل الشركاء الخليجيين السابقين. وفي أواخر 2017، افتتحت ميناء بقيمة 7.4 مليار دولار صُمم ليصبح مركزا للنقل البحري الإقليمي.
وبعد عامين من جلب آلاف الأبقار المدرة للحليب من أجل التغلب على الحظر التجاري، أصبحت شركة "بلدنا" القطرية لإنتاج الألبان تصدر للخارج للمرة الأولى.
ويقول المسؤولون الحكوميون إن التوسع السريع لشركة "بلدنا" أظهر أن الحصار جعل الاقتصاد القطري أشد قوة من ذي قبل، حيث يتمثل هدفهم في تشجيع المنتجين المحليين.
لكن قطاعات أخرى في الاقتصاد القطري تعاني، فقد تضرر قطاعا العقارات والبيع بالتجزئة. وأصبحت مراكز التسوق والفنادق التي كانت تعج أحيانا بالسائحين السعوديين والإماراتيين شبه خالية.
كما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد وسط تخمة المعروض في الفترة التي تسبق استضافة قطر لكأس العالم عام 2022.
وفي مارس آذار، أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن خسائر سنوية للعام الثاني على التوالي. فبعد أن منعتها دول المقاطعة من استخدام مجالها الجوي، اضطرت الشركة المملوكة للدولة لتغيير مسارات وإعادة توجيه كثير من الرحلات الجوية، ما أدى إلى زيادة المدة والكلفة.
في غضون ذلك، أجبرت المقاطعة قطر على تنظيم حملة علاقات عامة في الولايات المتحدة وأوروبا لمحاربة مزاعم تمويل الإرهاب.
وانزوت قطر عن الأضواء بعض الشيء في المنطقة بعد خسارتها للعديد من الرهانات التي وضعها خلال الربيع العربي في 2011 في سوريا وليبيا ومصر، عندما دعمت جماعات إسلامية مثل الإخوان المسلمين.
يقول دبلوماسيون ومحللون إن قطر، التي يبلغ عدد مواطنيها ما يزيد قليلا عن 320 ألف نسمة، ولديها صندوق سيادي بقيمة 320 مليار دولار، في وضع جيد في مواجهة الحظر.
وفي الأشهر الأولى من الأزمة، قامت قطر بتصفية ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار من استثماراتها في أدوات الخزانة الأمريكية، وأنفقت أكثر من 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدعم عملتها وبنوكها.
واستقر الاقتصاد منذ ذلك الحين، حيث نما 2.2 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2018 . وجرى تجديد موارد البنوك القطرية بالودائع الأجنبية التي حلت محل الكثير من الأموال السعودية والإماراتية المنسحبة.
يقول مسؤولون قطريون ودبلوماسيون إنه لا يوجد ما يشير إلى انحسار الخلاف الخليجي، الذي عزز التأييد الداخلي لحاكم البلاد الأمير تميم بن حمد آل ثاني البالغ من العمر 38 عاما.
من جانبها حذرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر من أن "استمرار الأزمة الخليجية من شأنه تقويض مجلس التعاون الخليجي وجعل انتهاكات حقوق الإنسان هي الوضع القائم الجديد".
وقالت الخاطر في تصريحات بمناسبة الذكرى الثانية للمقاطعة، إن "من أهداف تطبيع الأزمة من قبل دول الحصار إلحاق الضرر باقتصاد دولة قطر ومشاريعها التنموية، وهو الأمر الذي فشلت فيه دول الحصار، بالرغم من محاولاتها الحثيثة".
كان رئيس الوزراء القطري عبد الله بن ناصر آل ثاني قد شارك في القمم الثلاث التي عقدت في مكة تلبية لدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وتعتبر مشاركة رئيس الوزراء القطري في هذه القمم أول تمثيل قطري رفيع المستوى بين البلدين منذ المقاطعة.
وبينما يرى البعض أن مشاركة قطر تعد بمثابة انفراجة في العلاقات بين الرياض والدوحة يعتقد آخرون أن عودة العلاقات إلى سابق عهدها غير وارد في ظل الوضع الراهن في المنطقة.